الرئيسية مرآة المجتمع
الخميس 21 - حزيران - 2018

كنت سأعتذر لأنني اشتقت له... لم يرضَ (شيرين حنا)

كنت سأعتذر لأنني اشتقت له... لم يرضَ (شيرين حنا)

كنت سأعتذر عن الكتابة اليوم في مناسبة عيد "الأب" لشدة الغصة التي تحرق قلبي ... لكنني أظنه لم يرضَ، فهو من علمني أن أصمد رغم كل الصعاب، وما وصلت إليه اليوم ليس سوى "دين" أرده له...

لذلك، سأخبركم المسيرة منذ الطفولة حتى الرشد...

ففي الطفولة هو الذي نادرا ما نراه، لأنه وفي أغلب الأحيان تُذرف قطرات عرقه لتحرق الصخر لتأمين عيشنا... لكنه يرافقنا، ويراقبنا... "المهم نحنا مبسوطين" ولكن لم يلحظ أحد همه وقلقه... سنكبر ونحيا ونضع أساساتنا على هذا "الجسر" الصلب...

نكبر ونصبح في سن المراهقة، سن الضبابية حيث نصبح أنصاف رجال وأنصاف نساء، فيعلو صوتنا على صوته ونضرب ونكسر المنزل... ورغم ذلك "يحتوينا"... نجرحه في الكلام لكنه "يتقبّل" ولو على مضض فنحن "الحمل الضال" الذي سيعود عن خطئه... ومن منا ينسى كم من مرة آذيناه في كلامنا عندما كان ينصحنا؟ من منا ينسى كيف كنا ندعي أنه لا زال في الزمن المتحجر وها نحن في الحضارة وأي حضارة؟ حضارة اللاوعي واللامسؤولية؟ من منا ينسى كم من مرة اعتبرنا أن الهوة اتسعت ما بيننا وكان يردمها فرغم قساوته هو أيضا نبع حنان...

ازددنا طولا وعمرا وبتنا في سن الرشد، حيث كنا نلقي بطيشنا في السابق على المراهقة، لكن الآن؟ علينا حمل المسؤولية... علينا تحمل تذوق فتاتا من الذل والقهر الذي ذاقه وهو يؤمن حياتنا ويغدق علينا بنعم لن نعرفها في لحظتها... ننكسر لكنه يبقى ليساعدنا على إعادة الترميم... ننهزم لكنه يبقى ليساعدنا على أن ننتفض من جديد... فهو "السند"...

لكن اللوعة ستكون لحظة الفراق... لحظة اتمامه واجبه الذي حدده الخالق ليعود إلى جناته... عندها سنشعر بلهيب جهنم... عندها لن نجد في ضعفنا مقويا... عندها لن تجد الصخرة التي كانت متكأً لحزنك وألمك... والأمرّ من ذلك في يوم تخرجك أو تسلمك لوظيفة جديدة أو زفافك فعندها فقط ستلحظ أنك فقدت بريق عينيه لفرحك وافتخاره بك... لكنك ستراه في كل تصرف وطبع ورثته إن في عنادك أو مزاحك أو صراخك أو ضحكك لأنك ستكون من ناحية ما "نسخة طبق الأصل عنه"...

كم من مرة ننظر إلى أظافره ونجدها متسخة... ولكن لا تخجل فهو يربيك من أموال "نظيفة"...
كم من مرة تتأمل وجهه وقد خطّ الزمن حكاية ألم... ولكن لا تحزن لأنه كتب لك قصة "عزّ"...
كم من مرة أخفى عجزه عن النهوض لحظة مرضه... ولكن احفظها له فهو كان "عبرة" لصمودك وصبرك...
كم من مرة رسم بسمة أخفت عنك وجع وهم وقلق سنين... ولكن لا تنسَ أنه وجد فيك لوحة فرح أنسته ذلك...
كم من مرة انحنى ظهره من انهزام... ولكن كان يشمخ لدى رؤية نجاحك وازدهارك...

وما يوجع أكثر، عندما تكون لست أهلا لتكون أهلا، فتتركه في "دار المسنين"، بعيدا عنك وعن عائلتك، فأنت لا وقت لديك و"همك على قدك"، وهو خرف وباتت تصرفاته تزعجك و"تُقرفك" لأنك نسيت كم من مرة احتمل عدم وعيك ومصائبك وسهر على تغيير حفاضك وانتشلك من وسخك... وكن على ثقة فأنت تملك "نعمة" يتمناها ألف "يتيم" افتقدها... فـ"كرّمه"... 
خذه واخرجا سويا... اضحكا سويا... تخاطبا واشكيا همومكما... واتخذه أبا ورفيقا وصديقا... و"عِش" معه...

سأعايد كل أب بمناسبة عيد الأب... وسيبقى اشتياقي لمن غدر بي الزمان وخطفه من أمام نظري ومن بين يدي في لحظة، لأقول له "اشتقتلك يا بيي"...

                                                                         شيرين حنا