كتب غازي العريضي في "المدن":
أرسلت إسرائيل رسائل سياسية دبلوماسية عديدة خلال الأيام الأخيرة إلى المسؤولين اللبنانيين مع عدد من الموفدين الدوليين وزوار دولة الاحتلال حملت تهديدات بتوسيع الحرب. "وتيرة الجيش اللبناني في جنوب الليطاني لنزع سلاح حزب الله بطيئة قياساً على سرعة إعادة بناء قواته"، "نحن لن نتهاون مع هذا الأمر"، "لدينا بنك أهداف محدد لن نفصح عنه. ولكن عندما تأتي الساعة سنذهب إلى عملنا في كل المناطق بما فيها بيروت"، "أعددنا ملفاً مصوراً سلمناه إلى الأميركيين وهم مطّلعون على كل التفاصيل".
إذا سلّمنا جدلاً أن المعلومات "صادقة" وموثقة، ثمة أسئلة واقعية تطرح في المقابل: سلمتم الأميركيين فهل سلمتم الجيش اللبناني هذه المعلومات؟ هل أبلغتم الجيش "معلوماتكم الدقيقة"؟ هل تحرك أم لا؟ هو يتحرك ويصدر البيانات التفصيلية ويعرفها الأميركيون أيضاً ويقدمها دورياً لمجلس الوزراء ويشيد المسؤولون الاميركيون بدوره. الحركة بطيئة؟ لم يقل الجيش غير ذلك. لم يدّعِ أنه سينجز المهمة خلال أيام أو أسابيع نظراً لإمكاناته المتواضعة. منذ سنة تقريباً وهو يقوم بمهمته بأمانة ونجاح في الجنوب ويشكو قلة الإمكانات فماذا قدّم له؟ لماذا لم يبادر الحريصون العرب والأجانب إلى تقديم المساعدات الضرورية له وهم يعترفون بدوره ويشيدون بإنجازاته؟ ولماذا الحملة على قائده إذا دافع عن كرامة العسكر ومعنوياتهم وتضحياتهم وصمودهم وصبرهم، وهم يقومون بأعمال استثنائية في ظروف معيشية استثنائية صعبة وقاسية عليهم وعلى عائلاتهم؟
ما المطلوب؟ تبرير ما تقوله إسرائيل والرهان على إطلاق يدها "للإجهاز والإطباق على الحزب وسلاحه ما دامت الفرصة سانحة ولن تتكرر وفق الحساب الاسرائيلي"؟ لماذا مقاطعة الدعوة إلى مؤتمر إعادة الإعمار؟ هل فكّر اصحاب قرار المقاطعة بتداعيات هذا الأمر على ابناء الجنوب؟ لماذا لم تقدّم الدولة خطة على الأقل للإعمار كجزء وواجب من مفاعيل ومندرجات قرار وقف اطلاق النار؟ لماذا التعميم في الكلام عن الواقع القائم باستهداف الطائفة الشيعية الكريمة؟ ألم نتعلم بعد أن استهداف أيّة طائفة كطائفة أمر مدمّر ويثير النعرات والأحقاد ويوحّد صفوفها على التطرّف أيضاً تحت عنوان الدفاع عن النفس، وقد مررنا جميعاً بهذا الدرس والامتحان في ظل بلد مركّب طائفياً ؟ لماذا الخطابات المتهورة، ومواكبة عواطف موفدين دوليين وتمنياتهم، والدعوة إلى فرض عقوبات على رئيس مجلس النواب في أميركا بعد فشل كل مساعي الوصول إلى حلول في الوقت الذي يقول فيه عدد من المسؤولين الأميركيين ولو متأخراً "ليس لدينا إلا الرئيس بري نعمل معه للوصول إلى اتفاق وقد توصلنا سابقاً إلى نتائج إيجابية بواسطته"؟ وسبق لمسؤولين أميركيين آخرين أن أشادوا بدوره وحنكته السياسية؟ وثمة مسؤولون عرب يرسلون رسائل ولو كلامية على الأقل، عن ضرورة التعاون مع الرجل للوصول إلى حلول؟ وتحريض بعض اللبنانيين في الاتجاه المعاكس لا يتوقف.
هل المطلوب عدم عودة الجنوبيين إلى ديارهم؟ أين سيبقون؟ حيث هم اليوم؟ ألا يثير الأمر توترات وخلافات ويملأ النفوس غضباً وحقداً؟ ألا يحدث تغييرات ديموغرافية؟ ما النتائج الموضوعية لكل ذلك؟ في الماضي هجرتهم الدولة اللبنانية بحرمانها وإسرائيل بعدوانها. المسألة ليست جديدة. هي هكذا منذ العام 48. فهل تتكرّر الخطيئة نفسها؟ هل المطلوب تهجيرهم إلى العراق كما يتمنى البعض ويهمس في بعض المجالس ويعبّر موتورون على الشاشات عن ذلك بطرق مختلفة؟ متناسين أن المعنيين هم لبنانيون أصيلون أبناء البلد وشركاء فيه وقدموا الكثير الكثير من أجله، وكل منا قدّم على طريقته، ونحن مدعوون الآن إلى موقف وطني واحد ينقذ لبنان ويوقف هذه المطحنة الدائرة منذ عقود من الزمن، وقد طحنت الكبار وأصحاب الخبرات والكفاءات والطاقات، ودمرت البلاد وإمكاناتها وطاقاتها، وهجرت مئات الألوف من اللبنانيين الذين أصبحوا ملايين منتشرين في الخارج؟ هل فكر أصحاب هذه التصرفات الجهنمية الموتورة المتهورة بمخاطر ما يقولون ويفعلون؟ هل فكروا بخطر الوصول إلى مرحلة نطالب فيها بحق عودة أبناء الجنوب إلى ديارهم كما أمضينا عقوداً نطالب فيها بحق عودة أبناء فلسطين إلى أرضهم؟ وهل فكروا بما يجري الآن من خطر يستهدف حق البقاء في الأرض، وليس فقط حق العودة كما يحصل في فلسطين، والأمران متلازمان في المصير في هذا الاتجاه وعلى يد عدو واحد ؟؟ وهل فكر العرب " المواكبون " بمخاطر ما يجري على هذا الصعيد، وما يمكن أن ينتجه من توترات وانفجارات اجتماعية مذهبية طائفية أمنية؟؟ هل آن الأوان أن يفكروا أن الواقع اليوم قد تغير، وإسرائيل تريد إعادة تشكيل الشرق الأوسط كله وليس لبنان فقط، وبالتالي الرهان على أن المشاكل إذا وجدت على أرض عربية غير أرضنا قد تريحنا حيث نحن سقطَ، فالكل مستهدف بالمشروع الاسرائيلي؟
موفدون دوليون إلى إسرائيل يحرّضون ضد لبنانيين مسؤولين وفئات ويعدون فيها بتهديدات والهدف: الوصول إلى مواقع دولية معينة لا يمكن نيلها من دون الرضى الأميركي أولاً والإسرائيلي ثانياً. وعاملون في حقل السياسة اللبنانية يحرّضون أمام الموفدين ضد فئات، أو مسؤولين ويستقيلون من المسؤولية الوطنية ويحرّفون الحقائق، لأنهم يتطلعون إلى مواقع في الدولة في المرحلة الجديدة. لو فكر هؤلاء بأنه في مرحلة معينة لم يدخل لبناني مكتب مسؤول سوري إلا وخرج رئيساً أو وزيراً أو نائباً أو مديراً، وحقق أحلامه من دون أن يخطر في باله أنه لو صح ذلك لما خاب كثيرون، ولكنا في مرحلة فيها عدد كبير من الرؤساء والوزراء في تركيبة واحدة، فهل يملك هؤلاء شجاعة لجم الشهوات والرغبات وتحليلات التمنيات والتعلّم من الدروس؟
إعادة بناء الدولة على أسس سليمة حلم وواجب وأمانة ويجب أن نسعى إليه جميعاً. حصر السلاح بيد الدولة يجب أن يتحقق. وخطاب القسم والبيان الوزراي يجب أن ينفذا.
المطلوب من الجميع من دون استثناء: هدوء في التفكير. قياس دقيق للخطوات. عدم التسرّع والتهوّر. شراكة لبنانية. استيعاب لبعضنا بعضاً. حفظ وحدتنا الوطنية. نبذ الأحقاد على الأقل على مستوى المسؤولين عن الناس في الدولة والمعنيين في مراكز القرار، وأيضاً على مستوى المسؤولين السياسيين في مواقعهم "الكبيرة" وخروج بعضهم من أَسْر "مواقفهم الصغيرة".