أحيت بلدة أرزون، اللّيلة الثّالثة من ليالي عاشوراء بمجلس حُسيني، في النّادي الحُسيني للبلدة، بحضور المسؤول الثّقافي لإقليم جبل عامل الشّيخ ربيع قبيسي، وأعضاء من المنطقة الحركية والشّعبة، وشعبة حز ب الله وحشد من أهالي البلدة.
حيث ألقى فضيلة الشّيخ ربيع قبيسي كلمة تمحورت حول أنّ إحياء ذكرى سيّد الشّه~داء(ع) يُحيينا، فمن خلال عاشوراء نتعلم كيفيّة الإنتصار على أنفسنا أولًا، وكيفيّة الإنتصار على الباطل في كلّ زمانٍ ومكان.
واستهل كلامه قائلًا، أنّ الإمام الحسين(ع)وارث الأنبياء، وقد خصّ الله سبحانه أنبياءه بالرسالة لحفظ المجتمع والأُمّة، ولبناء المجتمعات الإنسانيّة، والتّوحيديّة، والإيمانيّة.
ثمّ انطلق من تفسير فحوى الآية الكريمة:(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّكُلِّ صَبَّارٍۢ شَكُورٍۢ)، للدلالة حول الأحداث المتلاحقة التي جرت مع نبي الله موسى(ع)، والتي وردت في أكثر من ثلاث وثلاثين سورة مباركة، وكيف أدّت هذه الأحداث إلى كسر أنوف جبابرة زمانه.
وكيف تُبيّن هذه الآية الكريمة حالة من حالات إخراج النّاس من الظّلمات إلى النّور، ومن الجهل نحو المعرفة، عبر من يوقظها وينبهها.
وتطرق إلى الحكمة والإرادة الإلهيّة التي قضت برعاية وحفظ وتكفّل النّبي موسى(ع)عبر رعايته، وتربيته في منزل أعتى عدوٍ له ألا وهو فرعون، الذي كان ينتظر ولادته(ع) لينهي حياته، خوفًا منه على عرشه وسلطانه.
وأشار إلى دور النّبي موسى(ع) اللّافت والبارز على صعيد توليه دور الواعظ والمرشد لمجتمعه وأُمته قصد إخراج النّاس من الظّلمات إلى النّور، حيث أمره الله تعالى أن يذكرهم بأيام الله، وأن الله تعالى قادر على كل شيء، بيده أن يجعل الأُمّة بحالة نعيم وبيده أن يسلبها تلك النّعم الإلهية.
وشرح في معرض كلامه ، معنى" أيام الله" المتمثلة بأيام رضاه سبحانه وأيام سخطه تعالى، ليربط ذلك بقوله تعالى(إنَّ في ذلكَ لآياتٍ لكلّ صبّار شكور)، أي من يصبر على نِعم وابتلاءات الله عزّ وجل.
فيتلخص دَيْدن ومشروع الأنبياء(ع) عبر التّاريخ بهداية النّاس واخراجهم من ظلمات الجهل، والتّعب، وعدم المعرفة، نحو نور المعرفة، واليقين، والتّوحيد، وحُسن الإيمان بالله جلّ وعلا.
وأضاف، أن هذه سيرة جميع الأنبياء(ع)، وهذه سيرة خاتم الأنبياء محمد(ص)الذي جهد للحفاظ على المجتمع ولإخراجه من الظّلمات إلى النّور، فذكّر(ص)مجتمعه وأمّته، فذكّرهم بأيام الله تعالى حتّى قبضه تعالى إلى جواره، ولكن لم يخرج النّبي الكريم(ص)عن هذه الدّنيا حتّى وقف في يوم من أيام الله عزّ وجل، المتمثل بيوم الغدير، في حجّة الوداع، فخطب بالناس وأوصاهم بالتمسك بولاية علي بن أبي طالب(ع)ليكونوا في حالة خيرٍ ونور، فيحفظ بذلك الأُمّة، لكن الأُمّة نسِيَت ذلك، وأخرجت أهل الحقّ عن حقّهم، وجرى ما جرى، إلى زمن الإمام الحسن المجتبى(ع)، الذي بايعه ما يُقارب أربعين ألف من المسلمين، بعد استشهاد أبيه أمير المؤمنين(ع)، هؤلاء الذين قالوا له أنت خليفة المسلمين يابن علي.
فكان خلف إمامنا الحسن المجتبى(ع) جيشٌ من المسلمين، ولكن المجتمع المتأرجح بين الحقّ والباطل، الذي لا يمتلك عقيدة ثابتة، تمّ شراء ذمم أفراده آنذاك، فتولى معاوية الحكم، وكان الصّراع بين الخير والشّر، بين الظّلمات والنّور، إلى أن مات معاوية.
وأشار، إلى قول النّبي(ص):" الحسن والحسين إمامين قاما أو قعدا"، وبيّن عدم إنصياع الإمام الحسن المجتبى(ع)، الذي وقف موقف الصّلح لأجل حفظ الإسلام والدّين، وحفظًا لدماء المسلمين، حتّى جاء زمن الإمام الحسين(ع).
ثمّ انتقل للتحدث، حول الإمام الحسين والظّروف المُغايرة التي جرت بعد موت معاوية ومجيء يزيد عليهما لعنة الله، وكيف رفض الإمام الحسين(ع)مبايعته، حيث كان أمام خيارين إمّا السّلّة وإمّا الذّلة، فكلنا يحفظ كلام الإمام الحسين(ع):
ألا أن الدّعي ابن الدّعي قد ركز بين اثنتين بين السّلة والذّلة، وهيهات منّا الذّلة.
هذا الإمام العظيم، هو ابن بيت النّبوة وموضع الرّسالة، ابن رسول الله(ص)الذي أراد إنقاذ الأُمّة فولّى عليًّا(ع)، ولكن الأمّة خذلت الحقّ في زمانه.
وكان زمن الإمام الحسين(ع) زمن الإنتصار، أنه زمن انتصار الدّم على السّيف.
نعم، رغم قلّة العدد، ورغم ما كان ينظُر إليه الإمام الحسين(ع)، بأنّه وحيد في كربلاء، إلّا أنّه(ع)أراد أن يجعل من ذلك الموقف موقفًا تاريخيًا يحفظ به تضحيات الأنبياء(ع)، فحملها سيد الشّ~هداء(ع)، ووقف في كربلاء، وما زالت كلماته تتردد حتّى يومنا هذا:
" أَنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَلَا بَطِراً وَلَا مُفْسِداً وَلَا ظَالِماً وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي رَسُولِ اللهِ(ص)"...
فكانت كربلاء تلك المحطة التي يتعلم من خلالها كلّ مجتمعٍ وكلّ أُمّةٍ كيف تخرج من الظّلمات إلى النّور، وكانت عاشوراء من أيام الله عزّ وجلّ، لأن أيام الشّهادة هي أيام الله عزّ وجلّ.
كما وبيّن، أنّ سماحة الإمام القائد السّيد موسى الصّدر انطلق من فكرة كربلاء على اعتبارها الجسر الثّابت الذي يربط بين الحقّ والباطل، لأنّ كربلاء هي التي تعلمنا كيف ننتصر.
مشيرًا إلى أن جنوبنا اليوم يتحمل ويدفع ضريبة عن كل الوطن، في مواجهة عدو لا يعرف الإنسانيّة أو الحقّ، في مواجهة عدو يقف في الظّلمات دائمًا.
ولأننا أبناء المدرسة الكربلائيّة العاشورائيّة الخالدة، نُقاوم ونُجاهد ونُرابط على حدودنا، ونقدم خيرة أبنائنا، الذين يتأسون بالإمام الحسين(ع)، فيقفون على جبهاتهم وهم يحملون إسم الإمام الحسين(ع) وأهل بيته وأصحابه(ع)، ويعلمون أن الشّها دة هي محل ارتقائهم، وأنّهم يحفظون الوطن بدمائهم، فتكون الشّها دة حياة، ولتبقى كربلاء البوصلة والميزان بين الحقّ والباطل، فتكون المدرسة التي تعلمنا مجابهة العدو، نسير من خلالها على طريق الإمام الحسين(ع)، متمسكين بهذه العترة الطّاهرة، فنحفظ بذلك كرامتنا في الدّنيا، وننال جوار الإمام الحسين(ع) في الآخرة.
هذا الإمام العظيم، معلّم جميع أحرار العالم، مدرسة الفداء والتّضحية والوفاء، سيبقى على مرّ الدّهور رمزًا لكلّ من يريد الإنتصار في حياته وفي بلده، ولكلّ من يريد حفظ نفسه وكرامته.
وختم بالقول، هذه عاشوراء تتجدد فينا في كلّ عامٍ إيمانًا وقوّة وثباتًا على هذه المدرسة، فنسأل الله تعالى أن نأخذ من عاشوراء ما لنا من أجرٍ وثوابٍ، وأن يكون الإمام الحسين(ع) شفيعنا يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلّا من أتى الله بقلبٍ سليم.
حسينيون_ونبقى