كتبت “الجمهورية”:
من المؤكّد انّ مبادرة تكتل «الاعتدال الوطني» الرئاسية اكتسبت جرعة من الأوكسيجين بعد لقاء أعضاء التكتل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري وتداولهم معه حول حصيلة الجولة الأولى من لقاءاتهم مع الكتل النيابية، وذلك في انتظار ما ستحمله الجولة الثانية من المشاورات، حيث انّ الأمور تبقى في خواتيمها.
بناءً عليه، من غير المعروف بعد ما إذا كانت «الجرعة التنشيطية» التي تلقّتها مبادرة التكتل من عين التينة ستكفي لإبقائها على قيد الحياة السياسية حتى اكتمالها ونجاحها، ام سيقتصر الامر على إطالة عمرها لبعض الوقت، قبل أن تواجه الحقيقة المرّة، خصوصاً انّ قوى المعارضة قد لا تقبل بتفسيرات بري لمقترح التكتل، وللآلية التي يجدها الأنسب من أجل «تسييله».
ومن الواضح أنّ بري يدفع في اتجاه «ركلجة» مبادرة التكتل على إيقاع «ضوابط» ومعايير محدّدة، خصوصاً انّه كرئيس للمجلس يعتبر نفسه المعني المباشر بـ»هندسة» اي آلية مفترضة للحوار او التشاور بين الكتل النيابية، انسجاماً مع دوره وصلاحياته.
وكان بري قد أكّد عبر تصريحاته الأخيرة أنّ الأمانة العامة لمجلس النواب هي مَن توجّه الدعوة إلى الكتل النيابية للمشاركة في الحوار، وانّه هو من سيترأسه شخصياً بلا شروط مسبقة.
ولئن كان البعض يفترض انّ رئاسة الحوار ونمط إدارته هما من الشكليات التي لا تستأهل كل هذا الأخذ والردّ، غير انّ هناك من يشدّد في المقابل على أنّ الشكل هنا لا ينفصل عن المضمون، بل هو جزء لا يتجزأ منه، بفعل ما ينطوي عليه من دلالات ورمزيات.
ويبدو انّ بري نجح عبر تكتيكه التفاوضي في تسديد الكرة مجدداً الى ملعب قوى المعارضة التي حاولت في «الشوط الأول» من مبادرة «الاعتدال» أن تُحمّل رئيس المجلس و»حزب الله» مسؤولية السعي الى إجهاضها، فأتى موقف بري المتجاوب معها وفق قواعد ناظمة لها، ليضع معارضيه على المحك بعدما أصبحوا هم المُطالَبون بحسم قرارهم حيال ما هو مطروح.
اما العقدة الأكبر فتتمثل في تباين المقاربات للجوهر السياسي لمبادرة «تكتل الاعتدال»، إذ انّ بري و»الحزب» يصرّان على أن يكون اي حوار او تشاور متحرّراً من الشروط المسبقة، وترجمة هذه المعادلة هي أنّهما متمسكان بدعم ترشيح سليمان فرنجية، وسيحاولان إقناع الآخرين به على طاولة النقاش عندما تلتئم، انطلاقاً من انّ هذا هو حق ديموقراطي لهما لا يتنافى مع مبدأ الحوار الذي يصبح بلا قيمة اذا رافقته أحكام مسبقة، بينما يطالب الأفرقاء المعارضون بأن يرتكز التشاور على قاعدة البحث في خيار ثالث، يحظى بأكبر توافق ممكن، وبالتالي التنازل عن ترشيحي فرنجية وجهاد أزعور لكي تكتسب محاولة الاتفاق الجدّية المطلوبة، وفي حال تعذَّر التفاهم تتمّ الدعوة تلقائياً إلى جلسة بدورات مفتوحة حتى انتخاب الرئيس، وهو الأمر الذي يرفضه بري المتمسك بصيغة الدورات المتتالية، حمايةً لصلاحية المجلس النيابي في التشريع.
ولكن أين تكتل «الاعتدال الوطني» من كل ذلك؟
يكشف مصدر في «التكتل» انّه تمّ الاتفاق خلال الاجتماع مع بري على أن تتولّى الأمانة العامة للمجلس النيابي الدعوة إلى الحوار أو التشاور، وفي حال إخفاقه في الوصول إلى نتيجة إيجابية، تُوجّه الدعوة إلى جلسة انتخابية بدورات متتالية، اي تتكرّر الدورات بوتيرة يومية الى حين انتخاب الرئيس.
أما في خصوص من سيترأس الحوار، فإنّ المصدر يوضح انّ هذا الأمر لا يزال موضع تداول، مرجحاً ان يكون الموقف الصادر عن بري في هذا الشأن غير نهائي.
ويضيف المصدر: «نحن في التكتل لا نمانع في أن يترأس بري الحوار أو التشاور، بل نتمنى ذلك، لكن المعارضة غير موافقة، ولذا نسعى الى إيجاد مخرج ينال قبول الجميع». وينبّه الى أنّه «إذا أُحبِطَت مبادرتنا فإننا سنصارح الناس بالحقائق وسنكشف حقيقة موقف كل طرف، ومن تجاوب ومن عرقل». ويضيف المصدر بمرارة: «هون بينتفونا وهونيك بينتفونا.. ونحن نصبر لأننا نشعر بمسؤولية تاريخية، ولكن في نهاية المطاف هناك حدود لكل شيء».