الرئيسية سياسية
الثلاثاء 04 - نيسان - 2023

هل ستجري الانتخابات البلدية في لبنان؟ (وفيق الهواري)

هل ستجري الانتخابات البلدية في لبنان؟ (وفيق الهواري) كتب وفيق الهواري
 
   أعلن وزير الداخلية اللبنانية في حكومة تصريف الاعمال القاضي بسام مولوي مواعيد اجراء الانتخابات البلدية التزاما منه بالقانون، وحدد المواعيد في الفترة الممتدة ما بين 7 ايار-مايو و28 أيار – مايو 2023.
كما أعلن فتح باب الترشيحات ابتداء من الخامس من نيسان- أبريل الجاري. 
لكنه من جهة أخرى أشار  إلى ضرورة تأمين الاعتمادات المالية اللازمة لإجراء الانتخابات البلدية.
وفي لبنان 1055  بلدية تضم12.474 عضوا بينهم 663 إمرأة. لكن هناك 84 بلدية منحلة يدير أعمالها القائمقام أو المحافظ، و27 بلدية مستحدثة لم يجر فيها انتخاب للمجلس البلدي، ويدير شؤونها القائمقام أو المحافظ. إلا أن 944 بلدية تعاني الشلل والتعطيل حسب تقرير الدولية للمعلومات.
   إذا سلمنا جدلا بأن ما أعلنه المولوي هو لرفع المسؤولية القانونية عن كاهله، فهل يمكن أن تجري الانتخابات البلدية في مواعيدها المقررة أم لا؟
   من موقع قانوني، لا إمكانية لتمديد ولاية المجالس البلدية.
  إذ أن التمديد بحاجة إلى سن قانون في المجلس النيابي، وهذا الأمر بات مستحيلا الآن، لأن المجلس النيابي تحول إلى هيئة ناخبة لا يحق لها التشريع إلا بعد انتخاب رئيس للجمهورية، وهذا الموضوع مدار نزاع بين القوى السلطوية المختلفة.
 
ويشير البعض إلى أن وزير الداخلية يمكنه أن يؤجل الانتخابات لمدة لا تتجاوز الأشهر الثلاثة، وتحت مبررات إدارية أو تأخير بتأمين الأموال اللازمة.
لكن الكثير من المتابعين وخصوصا من قوى السلطة يروج لنظرية أن هناك استحالة لإجراء الانتخابات البلدية بسبب الأوضاع التي تسود البلد.
   لنناقش كل خيار على حدة، إذا سرنا جديا نحو الانتخابات، فإن عدد المرشحين سيتضاءل كثيرا بسبب غياب الإمكانات المالية المطلوبة لتأمين الدور المطلوب من المؤسسات البلدية. وخصوصا أن البلديات تشهد استقالات عديدة حاليا، وبالتالي فإن المجالس البلدية القادمة ستحوي أشخاصا أكثر التصاقا بالقوى السياسية السلطوية، وتتحول البلديات إلى مؤسسات تنفذ الخطط الحزبية لهذا الطرف أو ذاك، مستفيدة من المساعدات والمنح التي قد تحصل عليها البلديات من المنظمات الدولية التي باتت الآن ترفض التعاون مع مؤسسات السلطة وتفضل التعاون مع البلديات واتحاداتها.
   لكن البلديات بهذه الحالة ستكون الوعاء الذي تغرف منه القوى السلطوية الأموال بعد أن جفت الخزينة العامة. كما أنها لن تعمد إلى رسم خطط تنموية جدية لأنها في مكان آخر، وهي القوى الممسكة بالبلديات منذ عام 1998، من دون وضع خطط التنمية المستدامة، بل خربت معالجات النفايات واجهضت محطات تكرير المياه المبتذلة وأشاعت الفوضى ولم تتجرأ أي بلدية على وضع مخطط توجيهي عام لأي نطاق جغرافي.
   من جهة أخرى، ماذا لو لم تجر الانتخابات؟؟ هذا يعني انهيار آخر المؤسسات العامة المسؤولة عن خدمات المواطنين، وبالتالي ترك المساحات العامة لقبضايات الأحياء والبلدات، وربما تلجأ القوى السلطوية القوية في المناطق المختلفة إلى تشكيل لجان حزبية تشرف على البلدات والمدن، وهذا ما يزيد من أزمة الانتماء الوطني ويعيد الناس إلى أحضان أصحاب الهويات الفرعية.
   إنه موضوع مهم يضاف إلى القضايا العامة التي نعيشها، فهل يمكن أن نصل إلى نخب قادرة على رسم خطط استراتيجية تنموية تبني نظام مصلحة مشتركة بين المواطنين كي يحصلوا على حقوقهم المنهوبة؟؟
موضوع للنقاش إذا توفرت النخب المستعدة للعمل في ظروف صعبة نعيشها اليوم.
   إن البلدية وفي النطاق الجغرافي المحدد لها هي بمثابة حكومة محلية مسؤولة عن كل جوانب الحياة اليومية للمقيمين في النطاق نفسه. وقد أشارت المادة 47 من قانون البلديات إلى ذلك عندما نصت على أن البلدية مسؤولة عن كل عمل ذو طابع أو منفعة عامة. وأن قرارات المجلس البلدي لها صفة الالتزام ضمن النطاق البلدي حسب المادة 48  من قانون البلديات شرط أن لا تتعارض مع النظام العام.
   ولما كانت مجموعات وقوى من المجتمع المدني تعلن وتنشط وتدعو إلى التغيير من أجل العدالة الاجتماعية، لذلك فإن العمل على تعديل وتطوير سياسات البلديات وآليات عملها يشكل هدفا أساسيا في عملها النضالي، وبالتالي عليها استخدام كل الفرص الممكنة للوصول إلى هدفها.
   وبالتالي فإن الاستحقاق البلدي القادم يمثل فرصة يتم استخدامها لطرح المشروع البلدي البديل، بكل جوانبه التنموية المستدامة وخطط متابعة الملفات اليومية في خدمات المواطنين.
   لذلك لا بد من المشاركة في الاستحقاق البلدي القادم، وفق آلية تحددها ظروف النطاق الجغرافي للاستحقاق. والمشاركة هنا تعني عدة طرق ووسائل منها الترشح، ومنها تشكيل بلدية ظل ويعتمد ذلك على الإمكانات البشرية المتاحة.
   لكن هذه المشاركة تشترط الوصول إلى رؤية عامة للمدينة تؤشر إلى مستقبلها وإمكانية تنميتها في الجوانب الاتية: 
 أولا: الجانب الاقتصادي:
   ما هو الدور الاقتصادي الأساس الذي يمكن أن نعمل على تنميته لتوفير الموقع المميز، والذي يؤمن فرص عمل أكبر ويساهم في تحسين الوضع الاقتصادي وتطويره، وما هي المجالات الاقتصادية الأخرى التي يجب الاهتمام بها وتطويرها للوصول إلى الرؤية المرجوة.
 ثانيا: الجانب الاجتماعي:
   كيف يمكن صوغ برنامج يؤمن حياة اجتماعية ذات مستوى مقبول للمقيمين في النطاق الجغرافي، وخصوصا في المناطق المهمشة، وفي هذا المجال يندرج مجموع مجالات الخدمات من مياه وكهرباء، نفايات، صحة واستشفاء، مخطط توجيهي للمدينة، تنظيم السير والشوارع وغيرها. وفي هذا المجال تلعب الملفات التي يجب إعدادها، مع وضع خارطة طريق لكل منها أرضية للنضال في الشارع وصولا الى المجلس البلدي نفسه.
 ثالثا: الجانب الثقافي:
   وهذا يتعلق بطرح المشكلات التي يعاني منها التعليم بجوانبه المختلفة، وما هي الحلول المقترحة لتحسين جودة التعليم، وتطوير الخدمات الموجودة مع التركيز على التعليم العام.
كذلك وضع تصور لتطوير الثقافة العامة في المدينة ودعم المراكز الثقافية الموجودة وإيجاد مركز ثقافي بلدي أساسي في النطاق الجغرافي المحدد.
رابعا: الجانب السياسي:
   العمل على تطوير مفهوم العمل السياسي الذي يقوم على أسس المواطنة والانتماء إلى الوطن، وبناء الهوية الجامعة لتعلو فوق الهويات الفرعية. ويتحول العمل السياسي من موقع الالتحاق بزعيم ما أو طرف طائفي أو مذهبي، إلى التزام مستقل وحر يعتمد المواطنة بمستوياتها المختلفة.
خامسا: الجانب التشاركي المجتمعي:
   ويعني هنا ملف بناء لجان الأحياء في المدن ولجان البلدات أو القرى لمتابعة مشكلات الاهالي مع الجهات المعنية، والوصول إلى آلية منتظمة ودورية مع السلطة المحلية للنقاش والتخطيط، والمراقبة والمساءلة وصولاإلى المحاسبة حول كل مشروع تقترحه البلدية.
   هذا يعني أن من يريد المشاركة الجدية في الانتخابات البلدية، ترشحا أو متابعة لقضايا النطاق الجغرافي، أن يضع خطة استراتيجية تفتح الباب أمامنا لخوض الاستحقاق الانتخابي وفق الامكانات المتاحة. وهذا يفرض صياغة برنامج انتخابي يلبي الأهداف التي يتم التوصل إليها من خلال رؤية تنموية للبلدية. واستخدام هذا الاستحقاق لبناء مساحة واسعة للتواصل مع الناس وتحديد أولويات الاحتياجات.
   إن النجاح في الاتفاق على النقاط المذكورة يسمح بتشكيل مركز أو محور اساس في النطاق الجغرافي المحدد لتجميع القوى الأخرى للوصول إلى قواسم مشتركة وتحدد آليات المشاركة التي تبدأ بترشيح عدد من الناشطين يتم اختيارهم وفق معايير محددة على رأسها مدى انغماس المرشح بالشان العام من زوايا مختلفة وامتلاكه قدرات مهنية تساعد على تنفيذ الخطط المطروحة. وهناك اتجاه آخر للمشاركة بتشكيل بلدية ظل تتابع أعمال البلدية أو اعتماد بناء مجموعات ضغط لمتابعة كل ملف على حدة.
   إلا ان الواقع اللبناني قد يفرض علينا البحث عن جواب على سؤال: ما العمل في حال عدم اجراء الانتخابات ؟؟.
يعني ذلك انهيار آخر المؤسسات الرسمية الأكثر التصاقا بالمواطنين، والذهاب إلى مناطق محسومة من أمراء الطوائف ووكلاءها. ويصير الهدف هو  العمل على بناء حركة شعبية تشكل ضغطا مستمرا للحصول على الحقوق الانسانية الاساسية.