يوصَف وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بأنه من»جناح المعتدلين» في التركيبة السياسية في الجمهورية الإسلامية، وتعليماته إلى سفير إيران في بيروت مجتبى أماني بأن ينفتح على أكبر مروحة سياسية وإعلامية في بيروت، خير دليل على هذا الإعتدال. هذه الشخصية المنفتحة تعكس نهجاً انفتاحياً يعبِّر عنه رئيس الديبلوماسية الإيرانية، في كل مرة يزور فيها بيروت.
زيارته الأسبوع الفائت إلى العاصمة اللبنانية ليست الأولى، فهو زارها بعد أيام قليلة على بدء عملية «طوفان الأقصى»، ومنذ تلك الزيارة بدا واضحاً أنّ «جبهة الجنوب» لن تُفتَح، على غرار ما هو حاصل في غزة و»غلاف غزَّة»، وكان يُستشف أن التهدئة غير المعلنة تُظهرها تصريحات رئيس الديبلوماسية الإيرانية الذي كان يتحدث عن «الصبر الاستراتيجي».
منذ ذلك التاريخ بدأ الحديث عن أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تُمسِك عصا المنطقة من وسطها، فهي عملياً تتحكَّم باللعبة من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، وبين «البحرين» تحاول أن تجد هامش مناورة مع الولايات المتحدة الأميركية، من خلال إعطاء الإنطباع بأن سيِّدَي اللعبة في المنطقة هما: الولايات المتحدة الأميركية، ومعها إسرائيل، والجمهورية الإيرانية الإسلامية. وما يعزز هذا الانطباع، «حديث التهدئة» لعبد اللهيان في بيروت حيث لفت إلى أن التوجه في المنطقة هو نحو السلام والاستقرار، والاتفاق الايراني اللبناني حول عدم توسيع الحرب وأنّ «حزب الله» كان قام بالايفاء بدوره عسكرياً وأنه يجب انهاء الحرب سياسياً.
جملة من الرسائل وجَّهها عبد اللهيان إلى أكثر من جهة، وهو سعى جاهداً لأن يكون كلامه مسموعاً في عوكر. وكلامه الأخير يختلف عما كان قاله من قبل، من أن الإصبع ما زال على الزناد، وأن الحرب يمكن ان تتوسَّع في أي لحظة.
السؤال الكبير هنا: هل انتقلت إيران من أن تكون طرفاً إلى أن تكون وسيطاً؟ من السابق لأوانه الحديث عن هذه الفرضية، لكن ما أدلى به عبد اللهيان يرجِّح أن تكون أقرب إلى الصحة، فعبد اللهيان كشف عن رسائل بين بلاده والولايات المتحدة الأميركية بشأن «حزب الله»، لكن ما يثير الدهشة أنه لم ينفِ الإتصالات السعودية الإيرانية في ما خصَّ الملف اللبناني، فهل هناك نهج إيراني جديد عنوانه «الشراكة في المنطقة» بدل التنافس؟
في السياسة، كل شيء وارد، فحين يتحدث عبد اللهيان عن أنّ «أمن لبنان من أمن ايران» فهذا الشعار له تفسيران لعل التفسير الأول معناه أنه «طالما إيران بخير لبنان بخير».
هل التحول في كلام عبد اللهيان يعني أن المفاوضات بين واشنطن وطهران في منتصف الطريق؟ وأن زيارته لبيروت هي لإطلاع «حزب الله» بشكلٍ أساسي على هذا التقدّم؟ ربما يجب الإنتظار قليلاً كي تُترجَم هذه المعطيات في الميدان، وليس من باب التفصيل أن ينهي عبد اللهيان جولته بزيارة قطر التي تعني الكثير كمحطة للتفاوض بين الخصوم وحتى الأعداء.