قراءة دستوريّة في ضوء الفراغ في رئاسة الجمهوريّة
أوّلاً – النتائج المترتّبة على الفراغ حكوميّاً:
في تاريخ 1/11/2022، دخل لبنان دستوريّاً حالة الفراغ في رئاسة الجمهورية، حيث لم يتمكّن مجلس النّواب خلال المدة الدستورية وحتى تاريخه من إنتخاب رئيس خلف للسلف، رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، وهذا الفراغ حتماً يترﺗﱢﺐ عليه، حالة من الشلل في المؤسسات الدستورية تضاف إلى ما سبقها، بعيداً عن التعطيل في المؤسّسات غب الطلب! وهذا أمر، لا يستقيم مع المسؤول في أي موقع كان، إذا كان متمكّن ويدرك بعمق واجباته الدستورية والوظيفية.
وتالياً، إنّ إعتبار الحكومة مستقيلة سنداً للمادة 69 الفقرة الأولى بند ه من الدستور اللبناني منذ تاريخ 16/5/2022، وقد أُعلنت هذه الإستقالة في المرسوم الصادر عن رئيس الجمهورية في تاريخ 30/10/2022 تنفيذاً لأحكام المادّة 53 فقرة 5 من الدستور، ينتج عنه التالي:
1- إنّ الحكومة المستقيلة أي سواء المقبولة إستقالتها أو التي تعتبر مستقيلة، فهي أصلاً لا يمكنها ممارسة صلاحياتها الخاصّة بها، إلّا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال (يراجع الفقرة 2 من المادة 64 دستور). فكيف بالحري يمكن الإناطة بها صلاحيات رئيس الجمهورية؟! عملاً بأحكام المادة 62 من الدستور والتي نصت حرفيّاً، عند خلو سدّة الرئاسة لأيّ علّة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة إلى مجلس الوزراء، En cas de vacance de la présidence de la république pour quelque raison que se soit, le pouvoir exécutif est exercé à titre intérimaire par le conseil des ministres.
إذاً، إنّ صلاحيات رئيس الجمهورية سواء المنصوص عليها في المادة 53 من الدستور أو في مواد أخرى، تنتقل بالمبدأ، إلى مجلس الوزراء ضمن حدود، وقد تتأتى العقبات الدستوريّة، خاصّةً، كوننا أمام حكومة إعتبرت مستقيلة حيث لا رقابة برلمانية عليها بل سياسية. هذا أيضاً، مع إبقاء بعض أعمالها خاضعة لرقابة مجلس شورى الدولة. في حين، أنَّ هناك بعض الصلاحيات لا يمكن ممارستها إلّا حصراً من رئيس الجمهورية، لأنه يستحيل ممارستها من قبل مجلس الوزراء، منها، (تسمية رئيس للحكومة، إصدار مرسوم تشكيل الحكومة، قبول مرسوم إستقالة الوزراء، طلب إعادة النظر في قانون، تأجيل إنعقاد مجلس النوّاب، إحالة مشروع قانون معجّل، إلخ)،ما يفيد، عن عدد من الصلاحيّات لا يمكن لمجلس الوزراء ممارستها لأنّها تتناقض مع مبادئ وأحكام دستوريّة وللتوازن الذي يفرضه الدستور بين الحكومة ومجلس النّواب لجهة الرقابة، كمل بسبب الفراغ في رئاسة الجمهورية.
وتأكيداً على ما نقوله، طالما الحكومة المقبول إستقالتها أو التي إعتبرت مستقيلة أو حتّى في حالة الحكومة المشكّلة أي الموقَّع مرسوم تشكيلها بالإتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ولم تكن قد نالت بعد ثقة مجلس النوّاب، لا يمكن لأيّ منها إطلاقاً ممارسة صلاحيات تندرج ضمن الأعمال التصريفية، ولا سيما عند حالة الفراغ في رئاسة الجمهورية، مع الإبقاء على الأعمال العادية الإدارية، كما التدابير التي تفرضها ظروف إستثنائية تتعلق بالنظام العام وأمن الدولة الداخلي والخارجي أي الحرص على مصلحة البلاد الحيوية كسلطة إجرائية يجتمع مجلس الوزراء بشأنها.
2- إنّ رئيس مجلس الوزراء لديه صلاحيات يتمتّع بها منفرداً وهي لصيقة بهذا الموقع والصفة، بدءاً من نصّ المادّة 64 من الدستور، وإن كانت الحكومة مستقيلة في ظلّ حالة فراغ في رئاسة الجمهورية. وأهمّها:
أ- يمثّل الحكومة ويتكلّم بإسمها ويعتبر مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء، وبكن ضمن الأعمال العاديّة لا التصريفيّة لسبب الفراغ.
ب- دعوة مجلس الوزراء في المواضيع الطارئة لضمان حسن سير العمل في الإدارات والمؤسسات العامّة. هذا مع إبقاء صلاحيته منفرداً في المتابعة والتنسيق بين الوزراء وإعطاء التوجيهات إلخ.
هذه الصلاحيات، يجب أن تبقى متناغمة ضمن الإطار الدستوري للأعمال العادية التي تتطلبها مصلحة البلاد الحيوية وضمن إطار الرقابة التي قد يستطيع فرضها البرلمان أو مجلس شورى الدولة أيضاً لإبقاء نوع من التوازن على عمل السلطة الإجرائية. هذا مع ضرورة تفعيل للمستقبل دور المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء لما يتمتّع به مجلس النواب من سلطة إتهام بغالبية ال 2/3 من مجموع أعضاء المجلس عند توفر حالة خرق الدستور والخيانة العظمى.
ثانياً - في ما يتعلّق بمرسوم تكليف رئيس الحكومة تشكيل حكومة جديدة:
إنّ المرسوم تاريخ 23/6/2022 الصادر عن رئيس الجمهورية سنداً للمادة 53 من الدستور في تكليف رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي تشكيل حكومة جديدة، وذلك بعد التشاور الذي حصل مع رئيس مجلس النواب إستناداً إلى إستشارات ملزمة إلخ، حتماً أصبح التكليف بعد تحقّق حالة الفراغ في رئاسة الجمهورية، وعدم تمكّن الرئيس المكلّف من التشكيل في المرحلة السابقة لخلو سدّة الرئاسة، وتالياً من المستحيل دستوريّاً التكلّم عن إمكانية التأليف، كونه فقد مفاعيله الدستورية.
وتالياً، من تاريخ حصول الفراغ أصبحنا أمام مرسوم تكليف دون أيّة مفاعيل له نحو المستقبل، كون مرسوم التكليف بحكم الباطل Nul. هذا مع الإشارة والتنبه، أنَ المرسوم لا يمكن إعتباره بحكم غير الموجود inexistant لأن التسمية والتكليف الحاصلين يتمتّعان بالدستورية عن طيلة المرحلة السابقة للفراغ.
وعليه، تبقى المسؤولية الدستورية والوطنية، هي الأساس سواء على حكومة تصريف الأعمال لتولي مهام تسيير أمور الدولة والشعب، كما أيضاً على مجلس النواب إنتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، حتّى لا يطول الفراغ وتُطرح لاحقاً إشكاليّات دستورية لا تنتهي، لا سيما مدى دور المجلس النيابي في الرقابة البرلمانية على الحكومة أو العكس، ما قد تطلبه الحكومة من صلاحيات تعتبر أنها تتمتّع بها! .
ثالثاً – في ما يتعلّق برسالة رئيس الجمهورية الموجّهة في 30/10/2022 إلى مجلس النّواب بواسطة رئيسه:
في تاريخ 3/11/2022 دعا رئيس مجلس النواب أعضاء المجلس، لعقد جلسة حول مناقشة رسالة رئيس الجمهورية الموجّهة في 30/10/2022 إلى مجلس النّواب بواسطة رئيس المجلس. هذه الرسالة، وعلى الرغم من دستوريّتها، أصبحت دون أيّة مفاعيل دستورية بالنظر لمضمونها مع إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية، إلّا من باب وضع المجلس أمام مسؤوليته الوطنية أمام الشعب الذي يمثّله. علماً أنَّ رئيس الجمهوريّة ضمَّن رسالته شكاية عن الرئيس المكلّف، لجهة ما أعرب له ولسواه عن عدم الحماسة في التأليف! كما لجهة عدم الموافقة على ممارسة صلاحيّات الرئيس بعد الفراغ، خوفاً من الفوضى الدستوريّة وبالإضافة إلى المطالبة من الرئيس المكلّف الإعتذار! بالطبع ما يفهم من الإعتذار المقصود هنا، المتعلّق بالتكليف ليصار إلى تكليف سواه!
ولكن، بما أن الدستور اللبناني نصّ في المادّة 53 فقرة 10 على صلاحيّة رئيس الجمهورية عندما تقتضي الضرورة أن يوجه رسائل إلى مجلس النوّاب، وفي هذا الخصوص، المادّة 145 المضافة في تاريخ 10 و11 شباط 1999 على النظام الداخلي للمجلس النيابي الصادر في تاريخ 18/10/1994 نصّت، على آلية وكيفيّة التعاطي مع رسالة رئيس الجمهورية، ومنها إذا لم تكن الرسالة مباشرة كحالتنا الرّاهنة، بحيث تطبّق الإجراءات المنصوص عليها في البند 3 من المادة 145 المذكورة، أن يدعو رئيس مجلس النّوّاب، المجلس إلى الإنعقاد خلال 3 أيّام لمناقشة مضمون الرسالة، وإتخاذ الموقف أو الإجراء أو القرار المناسب0
إذاً، وفي ضوء مضمون الرسالة وبعد حصول الفراغ، يصبح العمل أو أي نقاش مؤسّساتي عقيماً في كلّ ما يتناول مسألة تأليف حكومة، أو لجهة نزع التكليف من الرئيس المكلّف، وفقاً لما تضمَّنته الرسالة، طالما أصلاً لم يعد للتكليف أيّة مفاعيل (يراجع ثانياً لجهة مصير مرسوم التكليف).
علماّ، أنّ تطبيق الفقرة 3 من المادة 69 دستور، لجهة إعتبار مجلس النوّاب في دورة إنعقاد إستثنائية لتأليف حكومة ونيلها الثقة بعد إعتبار الحكومة مستقيلة، هذه المادّة أصبح من غير الممكن تطبيقها. كان من الممكن الإستفادة من هذا النّصّ الدستوري قبل الدخول في الفراغ من تاريخ إعتبار الحكومة مستقيلة بقوة الدستور مع بدء ولاية مجلس النّواب ( الفقرة 1 البند ه من المادة 69 من الدستور ) وذلك بسبب توفّر حالة الفراغ في رئاسة الجمهورية، ما يتطلّب ضرورة إنعقاد المجلس النيابي،¬ لحين إنتخاب رئيس جديد للجمهورية.
في تاريخ 1/11/2022
المحامي سليمان مالك