كتب بشارة شربل في نداء الوطن:
لا يستطيع كثيرون تأدية دور إنقاذي جامع حين يَدقّ زمن التحديات، إما لأنهم لا يتمتعون بوزنٍ كافٍ، أو لأنّ أوزانهم الثقيلة تحرمهم المرونة وتصنّفهم في أحد المعسكرات... أبرز المؤهلين حالياً لهذه المهمة هو وليد جنبلاط.
أولاً، لخبرته في الحروب والتسويات، في العداوات والصداقات، ومعايشته الشخصية والعامة لآلام دورات العنف المبدِّدة للأحلام والأوهام.
ثانياً، لأنّ جنبلاط نفسه أعلن منذ سنوات خروجه من الاصطفافات، وفاخَر بوسَطية أرادها «بيضة قبان»، أو صلة وصل، أو مغناجاً يَخطبُ ودَّها كل الفرقاء. وهو في عزّ الشقاق مع «حزب الله» وتحسباً لـ»غدرات الزمان»، أبقى الحبل موصولاً مع الرئيس بري رفيق «الزمن الجميل» في «6 شباط».
ثالثاً، لأنّ جنبلاط برهن عن قدرة على استشراف عواقب الانخراط في السياسات التي تنعكس سلباً على الدولة والكيان ومجتمع لبنان، مثلما يدرك ما يترتب على المغامرات.
رابعاً، لأنّ جنبلاط يحذّر دائماً من «لعبة الأمم»، وهو احترف «أقلَّوية» تحمي طائفته من العواصف المحلية، ما يؤهله لمحاولة حماية البلد الصغير مع هبوب رياح «الشرق الأوسط» السَّموم.
خامساً، لأنّ جنبلاط أخطأ أم أصاب، يبقى ممثلاً لإحدى الطوائف المؤسسة للكيان، والتي لا تجد نفسها إلا في لبنان التعددية والحرية. وهو لن يفرّط بإرثٍ دَفع والده حياته ثمناً له، رافضاً العيش «في السجن العربي الكبير»، سواءً سوَّرته شعارات القومية في ذلك الحين أم تظلله عباءة الدين هذه الأيام.
كلنا مع أهل غزة الرازحة تحت القصف الوحشي. وأُعجبنا بقدرة «حماس» على إذلال اسرائيل التي لم تتوقف يوماً عن الإجرام. ولعل وليد جنبلاط كان أول المصفّقين والمُحَوْربين قبل أن ينبِّه الى هول التداعيات، لكن حبذا لو يستجمع شجاعته لينتقل من وضعية المراقب الناقد الى موقف القائد الفاعل، ويطوِّر قوله «لسنا في حاجة إلى جبهة جديدة»، الى مصارحة «الحزب» باسم أكثرية اللبنانيين بأنهم يرفضون الانزلاق الى جحيم جديد، وبأنّ خوض حرب «وحدة الساحات» قد يودي بوحدة لبنان، وبأنّ مقاربة لبنانيين وعرب كثيرين قضية فلسطين لا تتطابق والضرورات الايديولوجية للحزب ومحور إيران.
تناط هذه المهمة الوطنية بجنبلاط ليس للأسباب الآنفة فحسب، بل خصوصاً لغياب الدولة والمؤسسات، وتفضيل الرئيس ميقاتي، وهو أعلى مرجعية شرعية حالية، متابعة مواقفه الرمادية، مكرّراً ما سئمنا سماعه عن «واجب تطبيق القرارات الدولية وإنصاف الشعب الفلسطيني».
سندخل الحرب «بأيدينا وأرجلنا وبعيون مفتوحة»، إذا لم تلاقِ أيضاً «دارُ الإفتاء» الرئيس السنيورة في دعوته المسؤولة والصريحة الى عدم توريط لبنان، وإذا لم تُشكل مع وليد جنبلاط والمسيحيين المُجمِعين على تحييد اللبنانيين عن الحرب، أكثريةً راجحة تؤكد أنّ الشرعية الدستورية والمصلحة الوطنية وحدهما كفيلتان بحماية لبنان.
صوت العقل يجب أن يعلو على ضجيج من يذكّر بأحمد سعيد النكسة أو بصحّاف صدّام.