بولس سلامه مُسْتَذكَرًا
(١٩٠٢ - ١٩٧٩)
في أمسية عابقة بِحرِّ آب ، ومفعمة بدفء الثقافة ، عُقِدَ يوم السبت ٩ آب، وبالتّعاون بين المجلس الثّقافي وبلديّة بنواتي - قضاء جزين - في قاعة دار ضيعتها ، ندوة أدبية بعنوان : "بولس سلامه : شاعر الوطن والوجدان" ، حضرها عدد من نوّاب القضاء الحاليين والسابقين، والوزيران السابقان ، وعدد من رؤساء البلديات والمخاتير، وكوكبة نخبوية من أهل الأدب والثقافة. بداية، كلمة لطيفة رقيقة ألقتها رئيسة بلدية بنواتي السيدة سميرة درویش عرّفت فيها بالمحتفى به ورحّبت بالحضور. وقد تولّى الأستاذ محمد حمود مهمّة التعريف بالمنتدين.
بعد النشيد الوطني ووقوف دقيقة صمت لروح الفنان زياد الرحباني ، أول المتكلمين، الدكتور إلياس القطار ، رئيس المجلس الثقافي لقضاء حزين ، ابن بتدين اللقش ضيعة الشاعر سلامه. سلط الضوء على أهمية أدب سلامه ، نثراً وشعراً ، في النصف الأول من القرن العشرين، مقارنة بأدباء الغرب الأوروبيّين يومها، ومحاكاتهم في طرح قضايا الفكر والخيال والإنسان، بعيدًا عن التعصب والطائفية أو المذهبية، فقرأ القطار نصًّا لسلامه من كتاب *تحت السنديانة* ، بعنوان "المسيحية والإسلام" ، توأم المحبة والتسامح والتنوير والارتقاء بالإنسان.
بحثان أكاديميان قيّمان يطولان بعض الشيء عن الكلام المنبري ، عرض أوّلهما الدكتور أحمد نزال رئيس اتحاد الكتّاب اللبنانيين بعنوان : آل البيت في شعر بولس سلامة : ملحمة عيد الغدير - عليّ والحسين -عيد السّتين ، فبيّن مدى عمق تبحّر سلامة في التاريخ الإسلامي وفي أيامه ومآثره، وأظهر خصائص شعره الملحمي الذي تميز به من دون سواه. البحث الأكاديمي الثاني بقلم الدكتور بهزاد جابر عضو المجلس الثقافي للبنان الجنوبي - وقد كُرِّمَ في الربيع الفائت رئيسَهُ الراحل النائب حبيب صادق بجامعة القديس يوسف في بيروت -وقد أبرز فيه مزايا بولس سلامة الأدبية ، شعراً في ملاحمه وقصائده الطويلة، ونثراً في كتبه الأخرى، مبيناً ما اختزن من ثقافة تاريخية ودينية إسلامية ومسيحية ، وما بث من أفكار وطنية وإنسانية تسبق عصره وتدعو إلى الوحدة الاجتماعية والفكرية في تطور الأوطان. أما الشاعر إيلي ضاهر، من شعراء المجلس الثقافي لقضاء جزين، وابن بلدة زحلتي المعروفة بشعرائها وقوّاليها والزجّالين ، فقد شنّف آذان الحاضرين بقصيدة عصماء فائية، من ثمانية وثلاثين بيتاً، استقامت على بحر البسيط في الشعر العمودي؛ لغة القصيدة نسيج وحدها ، وعالية ألفاظاً وتراكيب ومعاني وصورًا ، حاكت شعر بولس سلامة في نَفَسه الملحمي ، تفخيما وتطويلاً وتمجيداً ورؤى . مسك الختام مع المهندس أكرم سلامة، ابن العائلة، وابن بنواني المضيفة، وقد أنشأ دراسة مفصّلة وقف فيها على كتابات بولس سلامة وآرائه وأقواله ومواقفه في القضاء اللبناني، فبيّن ما لهذا الشاعر والأديب، من مآثر ونضالات في إحقاق الحق ، وقيام العدالة وإصلاح القضاء، دأبه وديدنه الإنسان وتطوره أخلاقياً واجتماعياً ودينياً ووطنياً. تتعدد المواقف، وتطول الاستشهادات من النصوص، والمداخلات ، والأحكام، ويبقى الجوهر واحداً عند سلامة القاضي : الإنسان أوّلا ، ثم الشعر والأدب والمناصب والوظائف.
سيبقى بولس سلامة سنديانة دهرية عتيقة من سنديانات بتدين اللقش، ولئن طاولت أغصانها وأوراقها عوامل الطبيعة، إلا أن جذورها راسخة وممتدة في الأرض الجنوبية مدى الدهور.
وعلى أمل اللقاء، في ندوات أُخْرَيات، في بلداتنا الحبيبة، وبهمة المجلس الثقافي تسلط الضوء على مبدع في القضاء، مغمورًا أو غير مغمور، وهم في الحقيقة لكثر.
ريمون حرفوش
عضو المجلس الثقافي لقضاء جزين
