الرئيسية أخبار محلية
الإثنين 26 - أيار - 2025

نداء الوطن: جزين نموذج لتحولات سياسية أشمل

نداء الوطن: جزين نموذج لتحولات سياسية أشمل

كتب بشارة جرجس في نداء الوطن:

جاءت انتخابات بلدية جزين كمؤشّر بالغ الدلالة على إعادة رسم الخرائط السياسية المحلية، حاملة معها إشارات واضحة حول مستقبل التحالفات والاستراتيجيات الانتخابية المقبلة.

جزين، التي كانت تُعتبر لسنوات "قلعة عونية" حصينة للتيار الوطني الحر، في قلب الجنوب اللبناني، هي منطقة استراتيجية في الحسابات السياسية، كونها تمثّل نقطة تقاطع بين القوى المسيحية الأساسية، ولا سيما التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، إلى جانب شخصيات محلية لها وزنها التاريخي والاجتماعي، كعائلة عازار.

 

من السيطرة المطلقة إلى تحالف الضرورة

خلال سنوات طويلة، فرض التيار الوطني الحر هيمنة شبه تامة على جزين، محققاً نسب تأييد تجاوزت 70% في ذروة نفوذه السياسي والشعبي. لكن هذه الهيمنة تقلّصت كثيراً في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد الانتخابات النيابية عام 2022، حيث حصل التيار على 1528 صوتاً فقط، مقابل 1185 صوتاً للقوات اللبنانية، و782 صوتاً لإبراهيم عازار. هذه الأرقام عكست بوضوح حجم التراجع في شعبية التيار، ما اضطره إلى البحث عن تحالفات مع قوى كانت تُصنّف سابقاً ضمن خانة الخصوم السياسيين.

وفي الانتخابات البلدية التي جرت يوم السبت (24 أيار 2025)، أفرزت مشهداً سياسياً جديداً ومفصلياً. فقد رَكَّبَ التيار الوطني الحر تحالفاً استثنائياً مع النائب السابق إبراهيم عازار، المدعوم تقليدياً من الرئيس نبيه بري، إضافة إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، ومع النائب السابق زياد أسود، المنشق عن التيار — هذا التحالف، رغم تحقيقه فوزاً انتخابياً واضحاً عبر فوز مرشحه دافيد الحلو بـ2621 صوتاً، مقابل 1896 صوتاً لمرشح القوات اللبنانية بشارة عون، إلا أنه سلّط الضوء على واقع جديد مفاده أن التيار لم يعد قادراً على تحقيق الفوز منفرداً.

 

القوات اللبنانية: قوة صاعدة وأرقام متزايدة

في مقابل تراجع التيار الوطني الحر، أظهرت القوات اللبنانية نمواً ملحوظاً في شعبيتها في جزين، إذ ارتفع رصيدها من 420 صوتاً فقط في انتخابات 2018 النيابية، وفي انتخابات 2022 النيابية حصلت القوات على 1185 صوتاً، ومن ثم إلى 1896 صوتاً في الانتخابات البلدية الحالية (أيار 2025). هذا النمو المتسارع يعكس تحولات سياسية عميقة في المزاج الشعبي الجزيني، نحو خيارات سياسية أكثر وضوحاً في توجهاتها السيادية، والمناهضة لتحالفات التيار مع حزب الله وقوى الممانعة.

وقد انعكست هذه الدينامية في قدرة القوات اللبنانية على جذب أصوات من خارج بيئتها التقليدية، مستفيدة من حالة الاستقطاب السياسي التي أصبحت ضرورية للفرز السياسي المطلوب في هذه المرحلة الحساسة التي يعيشها لبنان واللبنانيون، لا سيما في المناطق المسيحية، ومن تصاعد الانتقادات للتحالفات السياسية التي باتت تُعتبر عبئاً على التيار الوطني الحر في "مناطقه"، إذا ما بقي هناك منطقة محسوبة عليه!

 

تحالفات الضرورة وإعادة التموضع السياسي

يعكس تحالف التيار الوطني الحر مع شخصيات وقوى سياسية متباينة أيديولوجياً وسياسياً، كإبراهيم عازار وزياد أسود، عمق الأزمة الداخلية التي يعاني منها التيار في جزين وسائر المناطق. هذه التحالفات، التي كانت تبدو مستحيلة قبل سنوات قليلة، تُظهر استعداد التيار لتقديم تنازلات سياسية واستراتيجية كبيرة في سبيل الحفاظ على وجوده السياسي الضعيف والإبقاء على حضوره المتآكل.

وإن كان هذا التحالف قد حقق هدفه المباشر في الانتخابات البلدية، فإنه يحمل في طياته عناصر هشاشة بنيوية، كونه يجمع أطرافاً لا توحّدها رؤية سياسية مشتركة، بل تجمعها مصلحة انتخابية ظرفية.

 

جزين كنموذج لتحولات سياسية أشمل

تتجاوز دلالات انتخابات بلدية جزين حدود المدينة والمنطقة، لتشير إلى تحولات سياسية أعمق في المزاج اللبناني العام. فالمنطقة التي كانت حكراً على تيار سياسي واحد، باتت تتحول تدريجياً إلى ساحة مفتوحة للتنافس، تعيد تشكيل الولاءات السياسية بعيداً عن المعادلات التي كانت سائدة في الماضي القريب.

وكما انعكست هذه الظاهرة بوضوح في مناطق لبنانية أخرى كجونية وكسروان عموماً، والمتن وزحلة، والشمال، فإن إعادة تشكيل الخريطة البلدية ستنعكس على الخريطة السياسية في الانتخابات النيابية المقبلة عام 2026، مع تراجع واضح في شعبية التيار الوطني الحر، وصعود لافت للقوات اللبنانية. فالقوات التي سعى محور الممانعة إلى تهميشها بكل الوسائل، تثبّت اليوم حضورها بقوة في المشهد السياسي اللبناني، من خلال وزراء منتجين وشفافين في الحكومة، إلى نواب فاعلين في المجلس النيابي، مروراً بالبلديات والتمثيل الشعبي المتزايد، وصولاً إلى المزاج العام المنسجم مع خطابها السيادي الواضح والثابت، والشجاع.