اليوم يتوقف الزمن لننظر إلى ذاك الذي أحبّنا حتى النهاية.
اليوم يعلّق يسوع على خشبة، لا كرمز للهزيمة، بل كقلب مفتوح، يسكب الحياة وسط الموت.
في هذا اليوم، يتكشّف الألم بكل صدقه: الجلدات، الشوك، الصمت، الاحتقار، الجراح التي تنزف لا من الجسد فقط، بل من عمق القلب الذي أحبّ ولم يُحبّ.
لم يكن الصليب مجرد أداة عذاب، بل صار منبرًا للمحبة، حيث نطق يسوع بكلمات لم تصدر من وجع الجسد فحسب، بل من قلب إلهي متّحد بالبشرية الجريحة.
وعند سفح الصليب، كانت مريم… أم الإله، قلبها ينزف بصمت، واقفة، حاضرة، تحبّ بصمتٍ يشبه صلاة طويلة.
كانت ترى ابنها، ثمرة أحشائها، وهو يُسلَّم للوحشة والموت، ورغم ذلك، بقيت، تؤمن، تسلّم، تحب. ألمها كان اتحادًا كاملاً مع مشيئة الله.
وعندما أسلم يسوع الروح، انشقّ حجاب الهيكل… تلك الستارة السميكة التي كانت تفصل بين قدس الأقداس والناس العاديين، تمزّقت من فوق إلى أسفل، وكأن السماء نفسها فتحت ذراعيها. لم يعد الله بعيدًا. لم يعد الوصول إليه حكرًا على النخبة. بالصليب، صار القرب ممكنًا، وصار الله أبًا في متناول القلب البشري.
الجمعة العظيمة بوابة عبور من الخوف إلى الرجاء، من الوحدة إلى الشراكة، من الظلمة إلى نور لا يغرب.
إنّه اليوم الذي فيه نكتشف أن الحب لا يموت، بل يمرّ عبر الموت ليقيمنا معه.
فلنقف اليوم أمام الصليب، لا كمجرد مشاهدين، بل كمحبين.
لننظر إلى المصلوب لا بعين الحزن فقط، بل بعين الامتنان، بعين من يعرف أن هذا الألم حمل الحياة، وأن هذا الموت فتح الطريق نحو القيامة.
ولنسجد لصليبك وآلامك يا رب
المسيح قام!