الرئيسية أخبار محلية
الثلاثاء 02 - تموز - 2024

إعلان “الطوباوي البطريرك الدويهي” بعد شهر في بكركي

إعلان “الطوباوي البطريرك الدويهي” بعد شهر في بكركي

من أسفل وادي القدّيسين العابِق برائحة البخور الممزوجة بمعاناة البطاركة والرهبان المسيحيين الذين عاشوا مختبئين في مغاوره وكهوفه حياة النسك والتقشّف، هرباً من الاضطهاد على مرّ العصور، وطلباً للعيش والصمود والقداسة، بدأ العدّ العكسي ليشعّ نور جديد من الكنيسة المارونية… نورُ راهبٍ مسيحي إهدني، وأسقف وبطريرك مميّز أطلق من معاناته، رغم الظروف الصعبة التي مرّ بها خلال حياته على الأرض، فكرة الكيان اللبناني وانتزع الموارنة من قوقعتهم فانطلقوا من شمال لبنان الى رحابة الشرق فالعالم كلّه… هو “العلّامة” الذي سطع نجمه في محيطه وفي رحاب الكنيسة الكاثوليكية، معلّماً فذّاً بكرازته. ترك شهرته الواسعة في روما ليعود الى بلده الحبيب لبنان ليُكمل رسالته التبشيرية والتعليمية الدينية، ويُغني الكنيسة المارونية بعظاته وأقواله وكتبه.

 

جزء بسيط من صعوبة الدرب التي مشى عليها البطريرك إسطفان الدويهي (1630-1704)، اختبرها 60 إعلامياً وإعلامية لبّوا دعوة رعية زغرتا- إهدن ومؤسسة البطريرك الدويهي، وطالب دعوى البطريرك الدويهي الأب بولس القزّي، الى رحلة الحجّ المقدّس الثانية للسير “على خطى البطريرك الدويهي”. فوعورة الطريق الترابية الضيّقة في “وادي قاديشا” التي اجتازها الإعلاميون سيراً على الأقدام لمدّة لم تتجاوز عشر دقائق، تحت أشعة شمس يوم صيفي مشرق، محاطين بجمال الطبيعة، ومستمعين الى خرير النهر، نقلتهم الى “العالم الآخر”- البعيد ليس فقط عن التكنولوجيا الحديثة، إنّما عن أبسط مقوّمات العيش- الذي ساد في زمن البطريرك الدويهي وسائر الكهنة والقدّيسين منذ مئات السنين، ولا يزال يعيشه بعض الرهبان حتى الآن، وإن بشكل متطوّر أكثر.

 

على مذبح على شكل أرز لبنان الخالد، كخلود القدّيسين الذين يُصدّرهم هذا البلد الصغير الى العالم، من شربل الى رفقا الى نعمة الله الحرديني، يُرفع البطريرك اسطفان الدويهي بعد شهر من الآن، من قبل عميد مجمع قضايا القدّيسين الكاردينال الإيطالي مارشيللو سيميرارو ممثّلاً قداسة البابا فرنسيس، والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، “طوباوياً جديداً” في الصرح البطريركي في بكركي. هذا الحفل الكبير المنتظر يُقام عند الساعة الثامنة والنصف من مساء يوم الجمعة في 2 آب المقبل (الذي يُصادف تاريخ ميلاده في العام 1630 يوم عيد القدّيس إسطفان الذي دُعي باسمه)، ويُتوقّع أن يُشارك فيه بين 8 الى 12 ألف مؤمن من لبنان ودول الإغتراب، على أن يقوموا منذ الآن بالتسجيل على الموقع الإلكتروني الخاص بالمناسبة. كما تحتفل إهدن، مسقط رأس الدويهي – الطوباوي، بالحدث بـ “قدّاس شكر” يقيمه الراعي  في حضور سيميرارو وحشد سياسي وشعبي كبير عند الساعة السادسة من مساء يوم السبت في 3 آب المقبل.

 

التحضيرات أشرفت على نهايتها ليحتضن لبنان هذا الحدث المفرح… تبقى التفاصيل المتعلّقة باحتفالات التطويب في بكركي وإهدن والديمان وسواها والتي سيتمّ عرضها في مؤتمر صحافي دعا اليه المونسنيور اسطفان فرنجية الإعلاميين عند الساعة الثانية عشرة من ظهر يوم غدٍ الأربعاء الواقع في 3 تمّوز الجاري في بكركي.

 

تطويب القدّيسين.. في بلادهم!!!

 

في حديث خاص بجريدة “الديار” شرح الأب القزّي لماذا بات “التطويب” يحصل اليوم في بلاد المكرّمين، وليس في حاضرة الفاتيكان على ما جرت العادة، فقال: “في العام 2007 اتخذ البابا بنديكتوس السادس عشر قراراً يقضي بأنّ يتمّ تطويب كلّ مكرّم في بلده، لكي يتسنّى لأهل البلد الاحتفال به، سيما بعد أن لاحظ أن تطويب عدد من الرهبان الإسبان في روما لم يضمّ سوى 300 شخص فقط، على أن يبقى إعلان قداسته من روما. وبناء على هذا القرار، جرى تطويب الأب يعقوب الكبّوشي في ساحة البرج في العام 2008 وسط حشد جماهيري كبير. وفي 27 حزيران 2010 طوّب المكرّم نعمة الله الحرديني في كفيفان”.

 

وعن المعايير التي يأخذها الفاتيكان بالاعتبار لقبول “دعوى القداسة”، أوضح: “أولاً، شهرة القداسة على حياة رجل الله، وأن يتمتّع بـ “بطولة الفضائل”، فيكون بطلاً بمحبّته للآخرين، بطلاً بالإيمان والمحبة والمسامحة والتقوى… وثانياً، أن تحصل بشفاعته الأعاجيب عند قبره، كأن يشع منه النور، أو تحصل أعجوبة شفاء. فالأخ اسطفان نعمة، على سبيل المثال، لا يزال جثمانه في كفيفان طريّاً رغم وفاته في العام 1938… ولكن بقاء جثمان الراهب على حاله، لا يُعتبر علامة قداسة”.

 

وعن إمكان تقديس البطريرك يوسف بك كرم الذي يُقال إنّه يقوم بالعجائب، قال الأب القزّي: “أعرفه من كتب التاريخ مقاوِماً، وبطلاً وطنياً. أمّا العجائب فتحتاج الى تثبيت، وعلينا انتظار حكم الكنيسة”.

 

قنّوبين حاضنة جثامين البطاركة

 

في دير سيّدة قنوّبين في قاديشا، كانت المحطّة الأولى في رحلة الحجّ المقدّس الثانية… وصل اليها الإعلاميون على وقع أجراس الكنيسة، ووسط ترانيم دينية عمّت المكان المقدّس. واستقبلهم كاهن رعية مار يوسف الحكمة الأب نعمة الله مكرزل، الراهب المقيم بشكل متقطّع في الدير للتأمّل والصلاة وإقامة الرياضيات الروحية. وقام مع عدد منهم بجولة على المقرّ البطريركي الأثري القديم، الذي يحتضن كنيسة سيّدة قنّوبين، والدير، ومخبأ البطريرك المظلم المحفور داخل الصخور الذي لم يبق على جدرانه سوى لوحة جدارية واحدة لوجه “ملاك حارس”، والممرات السريّة، وصالون صغير كان يستقبل فيه المؤمنين (عُرضت فيه اليوم صور البطاركة الموارنة). الى جانب غرفة إعتراف للكهنة، وغرفة صغيرة تقع الى يسار مدخل الكنيسة عُرض فيها جثمان البطريرك يوسف التيّان في قبر زجاجي ليتسنّى للزوّار مشاهدته. واللافت أنّه لا يزال على حاله، رغم وفاته منذ العام 1820.

 

وكانت جولة على أنقاض الدير القديم الذي يعود تاريخه الى العام 375، الذي يصعب ترميمه اليوم، حيث أخبر أنّ العبّاد كانوا يقيمون في المغاور، وجاء أحد الرهبان وجمعهم، فبنى هذا الدير ليكون مركزاً لهم. وفي صلاة المساء كان كلّ راهب، يُشعل البخور أمام مغارته، فتتصاعد رائحة البخور من الوادي المقدّس، لهذا يُقال عنه “الوادي العابق بالبخور”. وعند عدم إشعال أحدهم للبخور كان رئيس الدير يُرسل راهباً لتفقّده، فيجده إمّا مريضاً أو ميّتاً. فإذا كان مريضاً يُسعفه، وإذا كان متوفياً يتركه. من هنا، نقول إنّ الوادي هو وادي القدّيسين كونه يحتضن عظام أو ذخائر الرهبان والنسّاك والقدّيسين. ولا يزال بعض هذا الرفات غير مكتشف حتى اليوم نظراً لصعوبة الدخول الى المغاور التي كان يسكنها بعض الرهبان من خلال التدلّي اليها بواسطة الحبل، وعند قطعه يبقى كلّ ناسك فيها الى يوم وفاته. وكان أحد الرهبان يزور النسّاك يوماً في الأسبوع لإحضار حاجتهم من الخبز والزيتون والبخور.

 

وبكثير من الشغف، روى الكاهن نعمة الله بعض التفاصيل المتعلّقة بحياة البطريرك الدويهي الذي عاش في هذا المكان المقدّس: “غرفته المتواضعة تقع مباشرة فوق الكنيسة الحالية فيها 3 نوافد صغيرة وسرير وطاولة فقط. وثمّة فجوة كبيرة محفورة في الصخر أمامها حيث كان يؤدّي صلاة “المطانية” عند منتصف الليل من خلال الانبطاح أرضاً، وعندما يقترب وجهه من الأرض يستطيع رؤية جدرانية العذراء الموجودة على حائط الكنيسة، من خلال نافذة صغيرة تقع في آخر الصخرة المحفورة. ولا يزال الرهبان يقومون بهذه الصلاة حتى يومنا هذا. في حين مثّلت بعض الفجوات الصغيرة في الصخر مكتبة كان يضع فيها كتبه. وذكر أنّ الرهبان أرادوا تحويل مكان الموت في الوادي المقدّس الى مكان حياة من خلال حفر الصخور واستصلاح الأراضي وزراعتها. أمّا ألحان التراتيل السريانية فقد استمدّوها من بُعد حراثة الأرض وزراعتها وحصادها مثل “هللويا مريم يلدت آلوهو”… ومن هنا، فلدى زيارة الماروني المؤمن لهذه الأرض يشعر بالقشعريرة، وهي دلالة على مدى تعلّقه وتجذّره بأرضه. علماً بأنّ وادي القدّيسين سكنته شعوب عديدة منها الأثيوبيين، ولا أحد يعلم كيف وصلوا الى هنا.

 

34 سنّة قضاها البطريرك الدويهي هنا

 

ثمّ انتقل الإعلاميون الى داخل كنيسة سيدة قنّوبين، حيث رحّب الأب القزّي بهم، وقال: “نحن في مكان ليس مثله مكان في العالم، وأغلب ظنّي أنّ الله يوم أوجده، إنّما فعل لأنّه استشرف ما سيكون لهذه البقعة في بلده لبنان من دور ذات يوم”.

 

أضاف: “إلى هذا الوادي الفريد بطبيعته الذي يُعْرَف بثلاثة أسماء هي : وادي قاديشا، وادي قنّوبين، ووادي القدّيسين ليُختصر في ما بعد باسم “الوادي المقدّس”، تدفَّق الرّهبان والبطاركَة تدفُّق نهر قاديشا… وديرَ سيّدة قنّوبين الذي يضمّنا اليوم، يرقى تاريخ إنشائه إلى القرن الرابع، وبفعل لجوء بطاركة الموارنة إلى هذا الوادي هرباً من الاضطهاد والظلم اتّخذوا هذا الدّير كرسيّاً بطريركياً لسبع عشرة ولاية، كان آخرها وأروعها ولاية البطريرك الدّويهي التي دامت 34 عاماً، بين 1670 و1704، ولو أنّ إقامته هنا كانت متقطّعة”.

 

وقال الأب القزّي: “في هذا المقرّ البطريركي صلّى البطريرك الدويهي، وتأَمَّل، وكتب، وراسَل رعاياه والقيمين عليها، كان مشدودًا إلى هذين الدير والوادي… روحُهُ كانت هنا، قلبُهُ كان هنا، عيناه كانتا على هذا المكان… في قنوبين كان كُلُّ شيء بالنسبة اليه مختلفاً، وكأَنَّه كان يرى فيها مَعْقَلاً ومهداً للمارونيَّة التي طَبَعَت إسلام المَشرق العربي”.

 

وختم: “إلى هذا الوادي عاد بعد أن شعر بقرب النهاية فشكر سيدة قنوبين والقدّيسة مارينا التي استجابت لتضرّعه بأن يُدفَن في مغارتها إلى جانب أسلافه البطاركة… ففي 3 أيّار من العام 1704 ، أَسلم الروحَ في غرفتِه، وأُدخِلَ الكنيسةَ جالساً على الكرسيّ والتاج على رأسه والعصا بيمينه، وقد ودّعته حشود الموارنة الذين وفدوا من كُلّ مكان. وحُمِل الجثمان على الأكتافِ إلى المغارة القريبة من هنا حيث دُفن.. وكان قد سبقه إلى هناك 16 بطريركًا نقرأ أسماءهم على الرخامة التي تتصدَّر جدار المدْفن الذي ضَمَّ ذاتَ يوم رفات القدّيسة مارينا قبل نقله إلى إيطاليا.. وبهذا تكون رغبته وأمنيتُه الدائمة قد تحقّقت”…

 

الراهبات الأنطونيات في الوادي

 

واستذكرت الرئيسة الأولى لراهبات الأنطونيات الأخت دومينيك الحلبي، كيف كُلّفت بالمجيء مع الراهبات الأنطونيات للعيش في الوادي في العام 1992. وقالت إنّه “يُمثل الروحانية المارونية بامتياز… وأنّه لا يُمكننا أن نكون مسيحيين فعليين إذا لم ننفتح بشكل مستقيم ومباشر على سيّد الحياة”. وأشارت الى أنّ جدرانية العذراء مريم الموجودة في هذه الكنيسة هي أهمّ ما في هذا الوادي المقدّس سيما أنّ السيدة العذراء يُكرّسها فيها الثالوث الأقدس سلطانة على السماء والأرض”.

 

وقالت رئيسة الدير الحالية الأمّ جانيت فنيانوس في مداخلتها إنّ “المكان المقدّس هنا يُسمّى “وادي قنّوبين”. و”قنّوبين” هي عبارة يونانية استمدّت هذا الإسم بعدما أصبح هناك “حياة رهبانية في الوادي حيث تعيش جماعة حبّ وصلاة”. يخبرون أنّ الأمبراطور توادوسيوس جاء لزيارة جبال لبنان في العام 375، فشاهد الرهبان كيف يعيشون في المغاور والكهوف ويعبدون الله فأسماهم “العبّاد”. فبنى لهم أول دير هنا، ومن ثمّ بنيت الكنيسة الحديثة على أنقاض هذا الدير. من ثمّ تطوّرت الحياة الرهبانية أكثر فأكثر حتى أصبحت “حياة جماعية”. حتى أنّ حياة الرهبان باتت تختلف عن حياة أولئك النسّاك، وبدأ الحديث عن عيش 300 راهب في هذا الوادي”.

 

وأشارت الى أنّه منذ العام 1440، في فترة الإضطهادات، عاش 24 بطريركاً في هذا المكان المقدّس، دُفن منهم 17 بطريركاً في مغارة القديسة مارينا، من بينهم البطريرك يوسف التيّان الذي لا يزال جثمانه كاملاً ومعروضاً في قاعة خاصّة عند مدخل الكنيسة، في حين أنّ الباقين دفنوا في رعاياهم ومناطقهم. لينتقل بعدها البطاركة إلى المقر البطريركي الصيفي في الديمان في العام 1830.

 

وأضافت “كراهبات أنطونيات أتينا الى هنا منذ العام 1990، وأقمنا في الوادي بعدها بعامين، ما يعني أننا قضينا فيه نحو 30 سنة”. وروت أنّ جدرانية العذراء رُسمت من قبل الخوري بطرس القبرصي في عهد البطريرك الدويهي سنة 1702، وبقيت حتى العام 1704. ومنذ ثماني سنوات جرى ترميمها حيث أضيفت اليها الألوان والخطوط من دون ترميم بقية الأجزاء حفاظاً على طابعها الأثري”.

 

ثم انتقل الجميع إلى مزار القديسة مارينا، حيث مدافن البطاركة الموارنة، وشرح الأب القزّي عن أهمية هذا المكان المقدّس الذي احتضن القبر الأول لرفات البطريرك الدويهي والقديسة مارينا والـ 17 بطريركاً.

 

أًول “كابيلا” على اسمه

 

ومن قنّوبين توجّه الوفد الإعلامي الى إهدن، حيث عقد لقاء في قاعة كنيسة مار جرجس في البلدة، شارك فيه الخورأسقف اسطفان فرنجيه، نائب رئيس مؤسسة البطريرك الدويهي النقيب جوزيف رعيدي، والأب يوسف طنوس، والأب القزّي.

 

واستمع الإعلاميون المشاركون الى كلمة المونسنيور فرنجية الذي رحّب بهم للمرة الثانية في رحلة الحج باسم رئيس مؤسسة البطريرك الدويهي المطران جوزيف نفاع والمؤسسة وكلّ أبناء البلدة، داعياً إيّاهم الى تغطية المؤتمر الصحافي الذي سيعقد في بكركي ظهر يوم الأربعاء المقبل (غداً) لعرض برنامج احتفالات التطويب في بكركي وإهدن والديمان، وتدشين أول “كابيلا” في الشرق على إسم الطوباوي الجديد في بلدة أردة (قضاء زغرتا) في 4 تموز الجاري، آملاً بشفاعة الدويهي أن يعمّ الخير والسلام في لبنان وبين اللبنانيين. وقال: “البطريرك الدويهي هو ليس ملك رعيته، أو طائفته، أو مِلك الكنيسة المارونية فحسب، انما هو ملك كل إنسان، لأنّ القدّيس هو ملك الله الذي هو اب الجميع، وان وجود الطوباوي الجديد بيننا هو نعمة وبركة، وقد بدأت الرعايا تتوافد الى كنيسة مار جرجس في إهدن للتبرّك من ذخائره”.

 

وكانت كلمة مقتضبة للأب قزي تناول فيها أهمية الأماكن المقدّسة، ولفت الى أنّ “البطريرك الدويهي سمح بإنشاء الرهبنة اللبنانيّة التي تفرّعت في ما بعد الى رهبنتين”. وتخلّل الجولة غداء في بيت الكهنة في إهدن، تلاه إستراحة في منزل النقيب رعيدي.

 

لقاء الحبيس الخوند في دير مار أنطونيوس- قزحيا

 

ومن ثمّ توجه الاعلاميون الى المحطة الأخيرة في رحلتهم، الى دير مار انطونيوس قزحيا حيث كان في استقبالهم مسؤول المزار الأب بيتر بطرس ممثلاً رئيس الدير الأب كميل كيروز. فزاروا الكنيسة ومغارة القديس أنطونيوس العجائبية التي ذكر الأب القزّي “كم وكم شفاء جرى داخلها، إذ كانت ولا تزال مقصَدًا للمؤمنين الذين يعانون أمراضاً نفسيّة واختلالاً عقليًّا أو مسًّا شرّيراً”.

 

لقاء الإعلاميين مع الراهب اللبناني الحبيس يوحنا الخوند الذي كتب الصلوات التي ستُتلى في تطويب البطريرك الدويهي، وسبق دخوله الى الكنيسة للصلاة المسائية مع بقية الرهبان، كان تتويج لرحلة الحجّ المقدّس الثانية… فقد أطلّ الحبيس الثمانيني بقامته القصيرة وقيمته الكبيرة، فاتحاً يديه موزّعاً بركات الله على الجميع. وممّا قاله ردّاً على بعض الأسئلة: “البطريرك الدويهي كان بطريركاً مهمّاً. ونتيجة الاضطهاد من قبل الأتراك كان يُغادر وادي قاديشا ويذهب للمبيت في الحقل. وكان يذهب أيضاً الى مار شليطا قريباً من غوسطا والى المعوش. ولكنه لم يكن أبداً يقطع الرجاء بل كان دائماً “قبضاي” ومتفائلاً، ولا مرّة كان متشائماً، ولم تصنع له هذه الأمور “عقدة”، مهما حدث كان يُسلّمها ربّانية ويُكمل مسيره الى الأمام”.

 

وقال: “الرب اختارنا جميعنا لنكون مقدّسين، ليس بالضرورة أن نُصبح مثل مار شربل والحرديني، يكفي أن نكون مقدّسين”.

 

وأوضح أنّ الحبيس مثل الناسك، “فالحبيس يقطع كلّ علاقاته الأفقية مع من حوله، ويُبقي على علاقته الأفقية فقط مع ربّه”.

 

وطمأن بكلمات معبّرة ومؤثّرة أنّ “لبنان باق ولا خوف عليه”. وشرح بصوت خافت أنّ “لبنان بلد فريد في نوعه يحتضن معتقدات مختلفة، فهناك الإسلام والدروز والشيعة، والكاثوليك والموارنة والأورتوذكس، وهناك غير المؤمنين، ومن كلّ طبقات الشعب. ويكوّن هؤلاء وطناً لكلّ حقّ فيه، وهو أمر لم يحصل في بلدان العالم كلّه. ولفرنسا فضل علينا، فقد قال لي أحد الآباء المتخصّصين مرّة إنّ الدستور اللبناني أفضل من الدستور الفرنسي، فهو أكمل دستور في العالم يُعطي لكلّ مواطن حقّه، ولكن علينا تطبيقه. لبنان فريد بجغرافيته، وبتكوينه كشعب مؤلّف من شعوب عدّة، وكلّها تحت “رأس واحد”. فمن هنا الى سوريا والعراق وإيران والباكستان والهند واليابان والمحيط الهادىء ليس من مختار مسيحي، إلّا في لبنان هناك رئيس جمهورية مسيحي. هذه فرادة لبنان، ولهذا يجب أن نُصلّي للبنان لكي يبقى بهذه الرسالة الحلوة… ولهذا من المؤكّد أنّ لبنان سيبقى “أصمد لبنان ما بك وهن”، على ما قال سعيد عقل”… فدمعت عيون البعض، وشعر البعض الآخر من خلال قربهم من الحبيس، بقربه من الله، فهل يكون القدّيس المقبل للبنان؟!