كتبت نداء الوطن: مسارعة الادارة الفرنسية للاعلان عن عودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان – ايف لودريان إلى لبنان مع الاعلان عن الهدنة الانسانية في غزة والتي انسحبت على الجبهة الجنوبية، لها وجه آخر مختلف كلياً عن الزيارات السابقة، وإنّ كان العنوان رئاسياً.
ما يكشفه مصدر دبلوماسي في باريس لـ»نداء الوطن» يفيد بأنّ «زيارة لودريان طابعها ثنائي أكثر مما هو رئاسي، خصوصاً بعد فشل الدبلوماسية الفرنسية في التعامل مع الاستحقاق الرئاسي اللبناني من منطلق التوازنات اللبنانية الدقيقة التي يستحيل أن يكون فيها غلبة لفريق على آخر، فالحراك الفرنسي بدأ بثنائية مع «حزب الله» وفق معادلة مقايضة ثبت استحالة إمرارها، ومن ثم مضى في عملية البحث عن خيار ثالث، وانتهى إلى فقدان الثقة بدوره، خصوصاً أنّ ما نالته فرنسا من ضمانات «نفطية» في البحر اللبناني أجهضتها في طريقة استفزازية أفقدتها امكانية المحاولة لبنانياً من جديد».
ويوضح المصدر بقوله إنّ «الكونسورتيوم البحري وعلى رأسه شركة توتال عندما حاز على إجازة بالتنقيب والتطوير والاستخراج في البلوكين (4) و(9) أول ما طلب توفّر الشرط الأمني، وهذا ما حازه من الدولة اللبنانية ومباشرة من «حزب الله»، فكانت تجربة الحفر الاستكشافي في البلوك (4) والتي لم يكمل بها الكونسورتيوم كما يجب وخضع للضغوطات بعدم المضي في عملية الحفر إلى الاعماق المطلوبة، وتوقف عن متابعة العمل زاعماً أنّه لم يتحقق وجود اكتشافات غازية في هذه الرقعة، يومها فُهم أنّ القرار الخارجي هو بعدم ضخ الاوكسيجين في رئة المنظومة الحاكمة، وأعقب هذه الصدمة اللبنانية مفاوضات مضنية حول ترسيم الحدود البحرية، حيث تجمّعت المنظومة في مواجهة السقف القانوني والسيادي الذي وضعه الجيش والمتمثل بالخط (29) بدل أن تتضافر الجهود والقوى لدعم موقف فريق التفاوض، وخلص الامر إلى اعطاء اسرائيل ما لا تحلم به لجهة الخط (23) مع شراكة كاملة في الحقول المشتركة على طول هذا الخط».
ويضيف المصدر قائلاً «تمت الترتيبات لبدء الحفر الاستكشافي في البلوك (9) استناداً إلى مسوح ثلاثية الأبعاد تؤكد وجود مخزون واعد، وكانت كل المؤشرات تقول إنّ توتال ستصدق في عملية الحفر لتعوّض عن فعلتها في البلوك (4)، ولم تمض أسابيع قليلة حتى بدأت التسريبات عن أنّ الاكتشاف سيكون مهماً جداً، إلى أن حصلت عملية 7 تشرين الاول وفجأة انقلبت كل المعطيات، وسارعت توتال إلى الاعلان عن فشل عملية الاستكشاف وانها لم تجد الا ماء، وفهم أيضاً أنّ هذا الموقف هو ضغط مباشر على لبنان لمنعه من الانجرار إلى المواجهة في غزة».
ويتابع المصدر أنّه «أمام هذا الواقع، فقدت الادارة الفرنسية صدقيتها اللبنانية، ولم يعد بمقدورها أن تمارس دوراً فاعلاً في علاج الملفات السياسية الشائكة وعلى رأسها رئاسة الجمهورية، وزيارة لودريان هدفها اعادة ترميم الثقة بالدور الفرنسي وهذه المهمة ستكون صعبة، وصار واضحاً أنّه استناداً إلى مسار المفاوضات التي خيضت طيلة الحرب على غزة أنّ من يمتلك قوة التأثير هي ثلاث دول: الولايات المتحدة الاميركية، المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية، وأنّ قطر تحركت وتتحرك تحت هذا السقف، وبالتالي فإنّ التسوية الممكنة لبنانياً لن تكون فرنسية الهوية أو النكهة، انما نتيجة تفاهم «الكونسورتيوم الاقليمي والدولي السياسي» والذي سيتم الوقوف فيه على رأي الرياض في انتاج الحلول اللبنانية، خصوصاً وأنّ طهران التي سلّفت الرياض في القمة العربية الاسلامية ما لم يكن متوقعاً، أي الموافقة على حل الدولتين والأرض مقابل السلام ولم تتحفظ على البيان الختامي، لن تكون عقدة أمام انضاج الحل اللبناني استناداً إلى تفاهم سعودي بموافقة أميركية».
ويؤكد المصدر أنّ «نظام المصالح الذي يتحكم بعلاقات الدول، لا يوجد في حساباته ومعادلاته موقف هذه الشخصية اللبنانية او تلك، وبالتالي هناك مصلحة مشتركة ايرانية - سعودية بالمضي في انجاز التفاهمات، واذا كانت ايران أخذت حصتها من النفوذ في العراق وسوريا، فإنّها حكماً لن تقف عثرة أمام النفوذ السعودي في اليمن ولبنان على قاعدة حفظ «حزب الله» و»أنصار الله»، والقيادة السعودية هي الاقدر على تدوير الزوايا بهذا الخصوص، الا أنه يبقى عامل الوقت».
ويخلص المصدر إلى القول «إنّ مهمة لودريان الجديدة هي كلام في صالة الانتظار، والادارة الفرنسية تقرّ بأنها ارتكبت سلسلة من الأخطاء والخطايا، خصوصاً في المرحلة الأخيرة، حيث ثبت أنّها ليست في موقع القرار، وهذا ما يعني أنّ القرار هو لمن صاغ الهدنة الانسانية ويعمل على تمديدها إلى ما بعد 29 الحالي حيث جلسة مجلس الامن الدولي التي قد تكون مخرجاً للجميع عبر صدور قرار بوقف اطلاق النار مربوطا بفتح المسار السياسي من خلال اعادة احياء مسار مدريد للسلام».